تقرير مشاركة وفد شبكة النساء العراقيات في مراسيم الذكرى العاشرة لجرائم الإبادة في سنجار
19 آب 2024
بدعوة من ممثل ذوي الضحايا والمجتمع الإيزيدي، الشيخ نايف جاسم قاسم، وبحضور رسمي وطني ودولي وشعبي كبير، شارك وفد شبكة النساء العراقيات في 15 اب2024 في مراسيم احياء الذكرى العاشرة لجريمة إبادة قرية كوجو في سنجار بعد حصارها لفترة تقارب الأسبوعين من قبل عصابات داعش الإرهابية، وراح ضحيتها المئات من الشهداء والمفقودين، وتعرضت النساء والفتيات للخطف والسبي والاسترقاق الجنسي، وقتل الأطفال، وأسلمة النساء والأطفال عنوة، تجسدت فيها وحشية مروعة هزت الضمير الإنساني في سائر انحاء العالم، وأصبحت رمزاً لجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
نظمت مراسيم التأبين المؤثرة في الهواء الطلق أمام المقبرة الجماعية التي تضم رفات (512) شهيداً، وابتدأت بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء الخالدين، ثم ألقيت عدة كلمات، ثم تراتيل دينية وأداء موسيقي شبابي من الفولكلور الإيزيدي. كما عرضت أفلام وثائقية عن وقائع مآسي أهالي قرية كوجو وقرى سنجار الأخرى أثناء الهجوم الإرهابي لعصابات داعش، وشهادات الناجين والناجيات ومعاناتهم المريرة أثناء نزوحهم عبر جبل سنجار.
أكد محافظ نينوى في كلمته على مساندته لمبادرات البحث عن المختطفات والمختطفين، وضرورة تعويض المتضررين من أهالي قرية كوجو والقرى الأخرى. واستذكر ممثل ذوي الضحايا والمجتمع الإيزيدي صمود الإيزيدية امام حملات الإبادة التي بلغت 74 حملة عبر التاريخ المدون، مطالباً بمحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة في فترة داعش، وإعادة اعمار المناطق المنكوبة، ولاسيما تأمين البنى التحتية والخدمات الأساسية لعودة النازحين. وقدم ممثل العتبة الحسينية مواساتهم للأهالي الإيزيدية بهذه الذكرى الأليمة، مع أهمية تعزيز التضامن والسلم المجتمعي.
تأتي مبادرة شبكة النساء العراقيات بتشكيل وفد نسوي عراقي متنوع ضم 11 ناشطة مدنية لمشاركة أهالي سنجار والناجيات الإيزيديات في الاحتفاء بهذه المناسبة الأليمة، تعبيراً عن التضامن معهم وقضاياهم العادلة، وسعياً لتقوية روابط الأخوة والتعايش السلمي بين مكونات شعبنا العراقي، من أجل ألا تتكرر جرائم الإبادة.
كانت فرصة هامة لأحاديث جانبية مع العديد من أهالي الضحايا والنساء والفتيات والشباب حول الأحداث المروعة التي عاشوها قبل عشر سنوات، وعن معاناتهم الراهنة في النزوح وفقدانهم مقومات الاستقرار والعيش الكريم، معربين عن قلقهم الشديد لخطابات الكراهية والتعصب والتطرف ضدهم التي برزت في الآونة الأخيرة، تعيد لذاكرتهم الماضي المخيف، منوهين أيضاً إلى عودة العديد من سكنة المخيمات إلى مناطقهم الأصلية ناصبين الخيم على بيوتهم المدمرة.
كانت أساريرهم تشرق وهم يتحدثون عن طموحاتهم الشخصية لتغيير واقع الدمار لبناء حياة آمنة بلا خوف ورعب، وتحقيق امانيهم في استكمال الدراسة وإيجاد فرص العمل في منطقة تعتبر من أفضل المروج الزراعية في العراق. وكان من حسن الصدف ان يلتقي الوفد بالطفلة الصغيرة (خناف) ذات العشرة أعوام، التي جرى اختطافها من قبل داعش وهي بعمر لم يتجاوز الثلاثة أشهر، وتم تحريرها في الأسبوع الماضي.
على هامش مراسيم التأبين، نظم الوفد النسوي، جلسة نقاشية مفتوحة بعنوان حديث الألم والأمل، بمشاركة مديرة مديرية شؤون الناجيات السيدة سراب الياس، وممثلين عن المنظمة الدولية للهجرة ومبادرة نادية مراد ومنظمات مدنية محلية أخرى، وحضور جمهور واسع من الشابات والشباب الإيزيدي.
تركز النقاش على عدة مواضيع: أهمية تطبيق قانون الناجيات الايزيديات رقم 8 لسنة 2021، في مجال جبر الضرر، والبحث عن مصير المفقودات والمفقودين، وتوفير الخدمات المتكاملة للناجيات (الصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية)، والحصول على الوثائق المدنية، واهمية التعليم والتمكين الاقتصادي، وكذلك عن فرص مشاركة النساء في الإدارة المحلية لمناطقهن، والحاجة الملحة لإعادة اعمار المناطق المنكوبة، وتوفير التخصيصات المالية في الموازنة الحكومية لتأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ومدارس ومراكز صحية وسبل العيش الكريم والآمن، وما تتميز به مناطق سنجار المترامية الصالحة للزراعة والرعي. إضافة إلى ضرورة تعزيز التضامن النسوي الوطني والإقليمي والدولي مع الناجيات وعوائلهن، وتقييم احتياجاتهن الإنسانية، والسعي الحثيث أن تأخذ العدالة مجراها للقصاص من مرتكبي جرائم العنف الجنسي والإبادة، كأجراء أساسي لبناء الاستقرار والتماسك المجتمعي والتعايش السلمي في المجتمع العراقي ككل.
كما قدمت في الاجتماع شهادات حيّة للناجيات الإيزيديات ومعاناتهن أثناء الأسر، وما تعرضن له من عنف جنسي وجسدي، ولاتزال معاناتهن النفسية شديدة في ظل أوضاع فقدان الأهل والمأوى الصحي والعلاج اللازم والحرمان من التعليم والتأهيل والعمل. اكدت النقاشات على أهمية توثيق سرديات الناجيات عن معاناتهن أثناء فترة الأسر لدى داعش، ومطالبة المؤسسات الحكومية بفتح مجالات العلاج النفسي، وتسهيل إجراءات استكمال دراستهن العلمية والعملية، وبرامج التأهيل الاقتصادي، وسبل اندماجهن في الحياة الاجتماعية.
وفي ختام الجلسة قدم وفد الشبكة درع التميز الى منظمي مراسيم التأبين، ومديرة مديرية شؤون الناجيات، ومؤسسة مبادرة نادية مراد، والمنظمة الدولية للهجرة، تثميناً لإنجازاتهم ونشاطهم الحثيث في خدمة الأهالي. كما قدم درع التميز لعدد من الناجيات والناجين من أبناء قرية كوجو تقديرا لصمودهم البطولي، ودورهم الشجاع في كسر حاجز الصمت عن جرائم العنف الجنسي والإرهاب الذي تعرضوا له من قبل عصابات داعش الارهابية.
تجول الوفد في مبنى المدرسة القريبة من ساحة التأبين التي تحولت إلى متحف يضم أثاراً من المقابر الجماعية ومقتنيات الشهداء والضحايا، وهي ملطخة بالدم أو ممزقة، تثير الشجن والألم.
وفي طريق العودة، زار الوفد النصب التذكاري لجريمة إبادة الإيزيديين، الذي يمثل إنصاف المجتمع الإيزيدي وكجزء من تحقيق العدالة، ويتوافق مع الأحكام المنصوص عليها في قانون الناجيات الإيزيديات. وقد أقيم على مساحة واسعة في جنوب شرق سنجار في منطقة صولاغ، في الموقع الذي ارتكبت فيه جريمة القتل الجماعي ل 78 امرأة أيزيدية دفنّ أحياء مع 13 طفلاً في أواسط آب 2014. والنصب الشامخ الضخم يضم مقبرة رمزية في مواجهة سفح جبل سنجار، كإشارة رمزية لاحتماء أهالي المنطقة بالجبل، تضم شواخص تشير إلى أسماء ضحايا المقابر الجماعية وضحايا الإبادة الذين قتلوا أو ماتوا في جبل سنجار أيام الحصار، والهجوم على الجبل في صيف 2014. يحمل تصميم النصب الرموز الإيزدية الرئيسية الشمس والقباب التي تشير إلى لالش، والتراث الإيزيدي القديم والأزياء، والرؤية التي تبين أنه مجتمع متسامح يحب السلام.
قامت بإنشائه مبادرة نادية مراد بدعم من المنظمة الدولية للهجرة ووكالة التنمية الأمريكية، وصفته نادية مراد عند افتتاحه: “إن الحزن جزء من عملية الشفاء. فوجود مكان لنحزن جميعاً ونتذكر عوائلنا وأصدقائنا وجيراننا أمر مهم للغاية للناجين، وخاصة أولئك الذين عادوا إلى سنجار”. وأكملت قائلة: “أنه يخدم غرضا تعليميا وهو تذكير العالم بما عانى منه مجتمعنا، وكيف يجب أن نستمر في التركيز على منع فظائع كهذه”.
غادر وفد شبكة النساء العراقيات منطقة سنجار، وذاكرة المشاركات مشحونة بصور الوجوه الحزينة للأمهات والزوجات الثكالى أمام قبور أحبائهن، وفي جعبتهن قصص التعذيب والاستعباد الجنسي والتصفية الجسدية مارسها الإرهابيون بدم بارد وبشكل ممنهج بهدف سحق المجتمع الإيزيدي. وفي الوقت نفسه، تفيض احاسيس الفخر بأخواتهن الإيزيديات اللاتي حظين بتضحياتهن ونضالهن وجرأتهن في مقاومة الإرهاب والتطرف العنيف تعاطفاً وتضامنا وطنياً وعالمياً هائلا. كما تبرز ملامح صحية جميلة لوجوه أطفال يتراكضون في الساحة يشع في عيونهم بريق الفرح واللهو والأمل. وتمتلأ ذاكرة الوفد بمشاعر الامتنان والاعتزاز لحضور هذه المناسبة وللضيافة الكريمة والاستقبال الودي الذي لقيه الوفد من منظمي الاحتفاء والأهالي.
كلمة أخيرة، سيظل النصب التذكاري مزاراً ومعلما تاريخياً لكل العراقيين، كي لا تتكرر عمليات استهداف للإيزيدية وأية أقليات دينية او اثنية أخرى، ونصباً للعدالة والعيش المشترك بسلام في العراق، وطن الجميع!
شبكة النساء العراقيات 19 آب 2024